2 قراءة دقيقة
دراسة تأثير المعالجة بالستيروئيدات القشرية ( الكورتيزون )

دراسة تأثير المعالجة بالستيروئيدات القشريةCorticosteroids (الكورتيزونات)  لدى مرضىCovid-19 على الكريات البيض في الدم المحيطي، وتفريق هذه النتائج عن الاختلاطات الإنتانية وخاصة الجرثومية.       


في خلال التصدي لمعالجة  حالات داءCovid-19ظهرت أبحاث ودراسات عديدة جدا  دعت إلى استخدام الستيروئيدات القشريةCorticosteroids وعلى رأسها(الديكساميتازون والبريدنيزولون) في معالجة الحالات المتوسطة إلى الشديدة من داءCovid، وأخذت معظم المراكز الطبية باستخدامها عند المرضى ضمن خطة أو بروتوكول علاجي قد يختلف قليلا بين مركز وآخر، إلا أن الدراسات والأبحاث التي نشرت حتى تاريخه تشير إلى أهمية الستيروئيدات القشرية في تحسين حالة المرضى، وتخفيف الأعراض الرئيسة التي يشكو منها المرضى لمدة طويلة نسبيا، ولاسيما ضيق النفس، هذا إلى جانب الأكسجين والمعالجات الإضافية الأخرى.     ولكن مايدعو للقلق والحذر لدى استخدامها أنها  قد تتسبب  في بعض الاضطرابات  ولاسيما عند استخدامها بحرعات عالية (ديكساميتازون 6-8مغ/24ساعة،أو البريدنيزولون60-80مغ/24ساعة  أو مايعادل هذه الجرعات المرتفعة من المتيل بريدنيزولونmethylprednisolone) وتتعلق التأثيرات الجانبية للستيروئيدات بالجرعة المستخدمة وبمدة العلاج أيضا؛ ونذكر هنا أهم هذه التأثيرات الجانبية التي ينبغي على الطبيب المعالج الانتباه إليها ومراقبتها ولاسيما عند المرضى الكبار في السن الذين يكون لديهم أصلا بعض المشكلات والشكاوى كارتفاع التوتر الشرياني والسكري أو اضطراب في وظائف الكلية، إذ تكون التأثيرات الجانبية الستيروئيدات عند هؤلاء أكثر وضوحا وأكثر تطاولا.            

—ارتفاع سكر الدم.

ارتفاع التوتر الشرياني

 الساد العيني، وارتفاع ضغط العين، الذي قد ينتهي بالزَرَقGlaucoma، وهذا التأثير على العين يكون أشد وأكثر وضوحا عند التطبيق الموضعي للستيروئيدات مباشرة على العين وخاصة عند المتقدمين في السن. 

حبس السوائل واضطراب شوارد الدم.                 

تأثيرات جانبية جهازية أخرى(مثل ترقق العظام، وتأخر النمو) . 

وهناك ناحية  اخرى مهمة جداً ينبغي الانتباه  إليها  وهي أن الستيروئيدات—بفعل تأثيراتها المعاكسة الالتهاب anti-inflammatory effect قد تخفي أو تُقَنِّعُ الاختلاطات الإنتانية  الجرثومية التي قد ترافق أوتطرأ عند المريض بداءCovid-19 خلال فترة استخدامها، وتجعل من الصعب تمييز الإنتان الجرثومي الذي يعرقل سير المرض عن بعض المؤشرات أو العلامات  أو الدلائل المخبرية الدالة أو الموجهة لوجود إنتان جرثومي يتوجب علاجه في الحال. وهذه النقطة بالذات هي ماسنتطرق للحديث عنها، وذلك بهدف لفت نظر الأطباء المعالجين إلى التفسير الصحيح للدلائل المخبرية (والسريرية) الموجهة لوجود إنتان جرثومي أو استبعاده خلال فترة تطبيق الستيروئيدات القشرية، وكي لا ُيفسَّر أي ارتفاع مهم في تعداد الكريات البيضWBC عند المريض على أنه  إنتان جرثومي طارئ إذا كان يعالج بمقادير أو جرعات مرتفعة من الستيروئيدات.      

لمحة فيزولوجية :         

إن تعداد الكريات البيض(WBC)  الطبيعي في الدم المحيطي المسحوب من شخص بالغ سوي(بحالة صحية جيدة)  يتراوح عادة مابين4.5—11ألف كرية بيضاء في الميليمتر المكعب الواحد، وتتألف من فئات متعددة من الكريات البيض المختلفة وتتوزع كما يلي:

الكريات البيض المعتدلة (المعتدلات) 60—70%

اللمفاويات 28%

وحيدات النوى 5%

الحمضات2—4%

الأسسات 0.5%

والمجموع الكلي100%.             

وقد يوجد بعض الاختلافات في الصيغة الدموية للكريات البيض  تبعا للمصادر المختلفة، وعلى سبيل المثال تورد بعض المراجع الصيغة الدموية كما يلي:                  

العدد الكلي:4—10.5ألف كرية بيضاء في كل ميليمتر مكعب.

 المعتدلات 55—70%.      

اللمفاويات 20—40%.  

الوحيدات 2—8%.         

الحمضات1—4%.

الأسِسَات 0.5—1%

وعندما يتم إجراء تعداد الدم WBC عند مريض فإن القيم المخبرية تعكس أو تعبر عن الكريات البيض ألمتوزعة ضمن مجرى الدم أو الدوران، وليس الكريات البيض الموجودة في نقي العظام، أو الأنسجة،أو تلك المرتبطة أو الملتصقة بجدر أو بطانة الأوعية الدموية، وكما هو واضح فإن الكريات البيض المعتدلة تشكل القسم الأعظم من الكريات البيض في تعداد الدم الكلي، ولذلك يكون لها التأثير الأعظم على التغيرات في تعداد الكريات البيض.  وتدعى الكريات البيض المعتدلة أيضا بالكريات البيض المفصصة أو كثيرة النوىPMN's)، وذلك لوجود عدد من المراحل التي تمر بها خلال عملية تطورها. وهي تتحرر في البداية من نقي العظام على شكل كريات بيضاء غير ناضجة (immature) تتصف بوجود نواة غير مفصصة تبدو على شكل شريط مُنحنٍ قليلا band-like curved(انظر الصور المرفقة)، ولذلك تدعى هذه الكريات البيضاء غير الناضجة  بالأشكال الفتية Band cells  أو الأشكال أو الكريات البيض المأطورة(حسب المعجم الطبي الموحد) ومن أسمائها غير الرسمية informal names  stab cells و staff cells. وتشكل الأشكال غير الناضجة في الحالة الطبيعية نسبة 6—5 % من  عدد الكريات البيض الكلي، وإن زيادة أعدادها عن10%يمكن أن يكون مؤشرا جيدا على وجود إنتان جرثومي استدعيت هذه الكريات البيضاء غير الناضجة —على عجل —لمواجهته. وهذا مايدعى عادة بالانحراف نحو الأيسر Left  to Shift في صيغة الدم المحيطي. وعندما يتم تفعيل الكريات البيض المعتدلة غير الناضجة أو تعريضها لعوامل جرثومية ممرضة فإن نواها تأخذ المظهر المُفَصٌّصٌSegmented appearance المعتاد أو المعروف لهذه الكريات.                    

تتوزع الكريات البيض المعتدلة في البدن في قطاعات عديدة منها الكريات البيضاء المتواجدة في النسج، ومنها الموجودة في  مجرى الدم أو الدوران وتدعى هنا بالقطاع الجائل compartment circulating ونعني به (الكريات البيض الجائلة في داخل الأوعية الدموية إضافة إلى الكريات الأخرى) والقطاع المهم الآخر هو القطاع المُتَحَوّفُ أو القطاع المُتَهامشmarginated compartment،ونعني به الكريات البيض المعتدلة التي تلتصق إلى الحافة الداخلية لبطانة جُدرالأوعية الدموية. ومعرفة هذه المعلومات ضرورية وهامة من أجل فهم آلية ارتفاع عدد الكريات البيض WBCعموما، وعند استخدام الستيروئيدات القشرية مثل(الديكساميتازون، و البريدنيزولون، والمتيل بريدنيزولون) بصورة خاصة.        

مالذي سيحدث عند إعطاء المريض  أحد الستيروئيدات القشرية(مثل الديكسا ميتازون أو البريدنيزون أو البريدنيزولون وماشابهها من تبدلات على تعداد الكريات البيض والصيغة الكريوية WBC 

Differental في الدم المحيطي؟ 

عند إعطاء الستيروئيدات القشرية عن الطريق العام (فمويا.أو حقنا  في العضل أو وريدياً) تحدث التبدلات التالية:

1—يزداد العدد الكلي للكريات البيض WBC عن الحدود الطبيعية أي يحصل ما يطلق عليه LEUKOCYTOSIS. وتحصل هذه الزيادة عند بدء المعالجة بالستيروئيدات، وهذه الزيادة  فيWBC تساهم فيها بصورة رئيسية الكريات البيض المعتدلة أو الكريات البيض كثيرة النوىPMN's. وهذه الزيادة ترتبط ارتباطا وثيقا بجرعة الستيروئيدات المستخدمة وبمدة استخدامها، وقد وجد أن إعطاء جرعة مفردة من البريدنيزون(40مغ عن طريق الفم) يسبب زيادة في عدد الكريات البيض المعتدلة بمعدل يتراوح بين(1700—7500) كرية معتدلة، وتبلغ الزيادة ذروتها في غضون4—6ساعات وتعود إلى الحالة الطبيعية خلال 24 ساعة. وقد أظهرت بعض الدراسات زيادات في تعداد الكريات البيض الإجمالي   إلى أكثر من 20.000 كرية بيضاء في كل ميليمتر مكعب من الدم، وتبدأ الزيادة كما أسلفنا في مرحلة مبكرة وتصل إلى مستويات أعظمية خلال أسبوعين تقريبا؛ (أي أن وسطي الزيادة كان بحدود4آلاف كرية لكل ميليمتر مكعب) عند المرضى الذين يتناولون جرعة من  البريدنيزون  قدرها40—80 مغ يوميا. وعلى كل حال كانت هناك  درجة كبيرة من الاختلاف أو التفاوت في الزيادة تبعا —كما سبقت الإشارة—للجرعة والمدة. وكما أن معرفة درجة الزيادة مهمة فإن من المهم أيضا تقييم الصيغة الدموية، وذلك كي نتجنب تفويت تشخيص حالة مرضية قابلة للعلاج في الوقت المناسب.          

2—تنقص أعداد الكريات اللمفاوية الجائلة بنسبة 70%.

3—تنقص أعداد الكريات وحيدات النوى بنسبة 90%.   

4—تنقص أعداد الحَمِضات Eosinophiles كما تنقص أعداد الأسساتBasophiles

إن نقص أعداد كل من الكريات اللمفاوية وكذلك نقص أعداد وحيدات النوى والحمضات يبدو أنه ينجم عن عودة توزع هذه الكريات أكثر من يكون ناجما عن تخريبها. أما أسباب نقص الكريات الأسِسِة فلم يتضح ذلك بعد.                      5—آليات زيادة عدد الكريات البيض كثيرة النوى في الدم عند استخدام الستيروئيدات:

هناك عدة عوامل  وهي:

1-زوال التَحَوُّف أو زوال التهامشDemargination

ويعرف التحوف أو التهامشmargination بأنه تراكم أو التصاق الكريات البيضاء إلى الخلايا البطانية لجدر الأوعية الدموية في موضع أو مكان الأذية في المراحل المبكرة من الالتهاب نتيجة توسع الشعيرات الدموية. وقد وجد أن الستيروئيدات تعمل على إبعاد الكريات البيض الكثيرة النوى المتحوفة أو المتهامشة عن جدران  الأوعية الدموية وإدخالها إلى مجرى الدم وبالتالي تزداد أعدادها في الدم.

2-تأخر هجرة الكريات البيض  المعتدلة إلى النسج في حال وجود أذية أوعملية التهابية.

3-تأخر الاستماتة الخلويةapoptosis.      4-زيادة تحرر ودخول الكريات البيض غير الناضجة( الأشكال الفتية) بأعداد كبيرة نسبيا من نقي العظام إلى 

الدوران.    

وفي حين تساهم هذه العوامل مجتمعة في زيادة أعداد الكريات البيض المعتدلة بدرجات مختلفة فإن العامل الأول أعني زوال التحوف أو زوال التهامش له التأثيرالأقوى.      

 خصائص أو مميزات زيادة الكريات البيضاء المحدثة بالستيروئيدات  عن زيادة الكريات البيض الناجمة عن وجود إنتان آت جرثومية :

أ-الزيادة المحدثة بالستيروئيدات تشمل دخول أعداد من الكريات البيض الفتية أو غير الناضجة ولكن بدرجة  أقل بحيث لاتزيد نسبة الأشكال الفتية Band cells أكثر  من 6%من مجمل الكريات البيض في الدم، بينما  تكون أعداد الأشكال الفتية في حال وجود إنتان طارئ أو معرقل  مزدادة بدرجة أكبر 10%أو أكثر

ب-لاتلاحظ في الأشكال غير الناضجة المحدثة بالستيروئيدات الحبيبات السميةToxic granulationsالتي تشاهد عادة في الأشكال غير الناضجة المرافقة لوجود إنتان وتعرَّف هذه الحبيبات السمية أو الإنسمامية بأنها حبيبات خشنة تأخذ الألوان الأسسة  basophile كان يعتقد فيما مضى أنها تظهر في الكريات البيض فقط في حالات الأخماج والحالات الإنسمامية  الأخرى؛ ولكن وجد فيما بعد أنها يمكن أن تظهر في غياب انسمام جهازي، وربما كانت تمثل(ليزوزومات) أو جسيمات حالة ذات تطور شاذ.            ج-لما كانت مساهمة الأشكال الفتية أو غير الناضجة من الكريات البيض  ليست كبيرة في حال استخدام الستيروئيدات؛ فإن  هذه الأشكال لاتسبب انحرافا مهمانحو الأيسر  في الصيغة الدمويةlimited shift to left مقارنة بما هي عليه الحال في وجود خمج جرثومي.    

د-إضافة إلى ماسبق فإن زيادة أعداد الكريات البيض Leukocytosis المحدث بالستيروئيدات لايترافق بارتفاع درجة حرارة المريض، كما لايترافق بتدهور الحالة العامة التي يعالج المريض من أجلها بالصورة المناسبة.   

ه-لاتترافق زيادة الكريات البيض المحدثة بالستيروئيدات بارتفاع  ارتكاسات الطور الحاد مثلCRP، والبروكالسيتونينproCalcitonin، وال Ferritin بينما يترافق الخمج المعرقل أو الطارئ خلال سير المرض بارتفاع هذه المشعرات الالتهابية.

لذلك كله ينبغي على الطبيب السريري أن يضع جميع هذه العوامل في الحسبان عندما يُقيّم أو يراقب أو يعالج الحالة المرضية التي بين يديه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الدكتور ممدوح عرابي اختصاصي استشاري في طب الأطفال والرضع وحديثي الولادة.

21/9/2020

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.