1 قراءة دقيقة
كيف يمكن أن تكون نهاية الفيروس

حتى نعرف كيف يمكن أن تكون نهاية الفيروس لا بد ان نعود إلى اوبئة مشابهة حدثت في التاريخ  ونعايشها الآن لنأخذها مثالا. 


مقال للدكتور عروة محمد هاني الملي

استشاري الأمراض والمناعة البشرية والبيطرية من جامعة ميونخ المانيا 


تم فرض الحجر و تحديد الحركة على أكثر من ٤ مليار انسان . أكبر وأعتى جيوش العالم في حالة تأهب قصوى. استنفار في  الغواصات النووية حتى الكشف عن مكان وجودها في بريطانية.  خلايا للازمة في أعظم دول العالم مع مؤتمرات مستمرة  . اتهامات بين أكبر دول العالم لبعضها عن المسؤولية. محاكمات بدأت تظهر لفرض عقوبات اقتصادية ضخمة وووووو

عندما تسمع ما سبق تظن اننا نعيش حرب عالمية ثالثة قضت على ٣٠ مليون انسان و دمرت الكرة الأرضية .

نعم فيروس لا يري إلا بالمجهر الإلكتروني  فعل كل ذلك.


لنعرف حجم الفيروس الحقيقي يجب أن نقارنه مع فيروسات وأوبئة  أخرى ولنبدأ بفيروس الأنفلونزا،  هذا الضيف الثقيل والذي لابد أن يزورنا كل عام مرة او مرتين وقد أصبح احد الزوار الذي تفتقده اذا مرت السنة ولم يزورك.

 في الموسم الحالي للانفلونزا وحسب C.D.C أدى الفيروس  الى  عشرات الاف القتلى و مئات الألوف في المشافي و اصابة ٣٤ مليون شخص  فقط في أمريكا. 

  مع ان عدد الوفيات  نتيجة فيروس كورنا في امريكا قد تصل إلى ٧٠ الف او اكثر  قبل السيطرة على المرض و  مع ذلك هل من المبرر ما يتم فعله من إجراءات قاسية لمحاربة الفيروس؟؟ .

 هذه الإجراءات قد تذكرنا بالانفلونزا الاسبانية نوع  A H1N1  والتي قدر عدد ضحاياه  بين عامي ١٩١٨ و ١٩١٩ بين ٥٠ إلى ١٠٠ مليون قتيل اي أكثر من ضحايا الحرب العالميه الثانية بكثير و التى يظن الكثير من العلماء أنها  نشأت من الطيور وتكيفت لتصيب الانسان نتيجة عدة عوامل .

(في جزء آخر سوف نسترسل عن كيفية تحول الفيروس الذي يصيب الحيوان او يكون مخزن له  ليصبح قادر على غزو خلايا الإنسان) 

نعم الأرقام هذه حقيقية عدد القتلى كان ضخم جدا ولكن ما السبب ؟؟ 

لقد ظن العلماء في دراسات سابقة ان الفيروس كان شديد الفتك والضراوة أكثر بكثير من الأنفلونزا الحالية. ولكن في عام ٢٠٠٧ أظهرت ابحاث علمية منشورة ( correspondence و David Morens)  ان فيروس الأنفلونزا في ذلك الوقت لم يكن أكثر ضراوة من الأنفلونزا الحاليه ولكن ما سبب هذه المقتلة الضخمه للبشر. السبب هو ليس قوة الفيروس بل ضعف المضيف فعندما نذكر الحرب العالمية الثانيه و حجم الدمار و القتل والعدد الهائل للمصابين والجرحى و واستخدام الأسلحة بكل انواعها وما خلفته الحرب من نقص في الغذاء و تلوث الهواء و الماء ودمار البنية الصحيه فلابد أن نتخيل كيف هي مناعة البشر في ذلك الوقت. حتى نستطيع أن نقدر مدى ضعف المناعة لدى البشرية في ذلك الوقت أود أن أطرح المثال التالي.

حسب دراسة لجامعة سياتل فإن  فقط نقص ساعات النوم  في حال كان التغذية والظروف الاخرى جيدة تؤدي إلى زيادة فرصه التعرض لفيروس (rhinovirus) ونزلات البرد. حيث أن قلة ساعات النوم تسبب قلة إنتاج السيتوكينات و الخلايا اللمفاوية T ما يسبب قلة مقاومة العدوى. حتى ان فعالية لقاح فيروس الأنفلونزا تكون أكثر في حالة النوم الجيد.

اذا مجرد قلة النوم تخفض كفاءة جهاز المناعة إلى النصف فكيف اذا اجتمعت معه ظروف الحرب العالمية  وويلاتها. كما أن ضعف المناعة يساعد العدوى الثانوية من بكتريا وغيرها وهذا ما يضاعف المأساة.

اذا المشكلة ليست قوة الفيروس ولكن ضعف المناعة والظروف المحيطة و الامراض المزمنة الخطيرة  

اذا امراض العصر   من قلب ورئة و الامراض الآخرة المزمنة  و التى تتواجد بنسبة عالية بأمريكا مثلا وخصوصا عند كبار السن هي التي فعلت فعل الحرب العالميه الثانية في وقتنا هذا في أمريكا ،  خاصة لو علمنا انه 40 بالمئة من الشعب الأمريكي يعاني احد او اثنين من هذه الامراض.

حسب النسب الرسمية لمعهد روبرت كوخ فإن نسبة الوفاه من كورونا في ألمانيا بين ٣ إلى ٥  بالألف 

اما زيادة عدد الموتى في دول اخري غير ألمانيا فله عدة أسباب لا تعود إلى قوة الفيروس نفسه غالبا بل إلى عوامل أخرى ماهي.

اولا... لو علمنا  ان فترة حضانة فيروس الأنفلونزا وسطيا يومين اي ان الأعراض تظهر بعد يومين مما يسهل التعرف عليها بسرعة وبالتالي يمكن أن يمنع المصاب من دخول دار المسنين بسبب ظهور الأعراض عليه وبوضوح .

 اما فيروس كورونا فالمشكلة الكبيره فيه ان فترة حضانته تصل إلى أسبوعين او اكثر حسب دراسات أخرى. ما يعني ذلك؟؟؟ 

هذا يعني أن شخص قد يكون مصاب منذ أسبوعين مثلا ويعمل في احد دور المسنين  و لا يدري انه مصاب فتخيل كم من كبار السن وأغلبهم لديهم امراض اخرى سوف يكون أصيب خلال الأسبوعين. 

او شخص يعمل في مطعم  من دون أن يعلم إصابته فكم عدد المصابين ممن انتقلت لهم العدوى خلال هذه الفترة 

ثانيا ....على عكس ما يظن الكثيرون فان ضعف الفيروس امام مقاومة  الناس الأصحاء  هي نقطة القوة لديه  حيث انه  يتخفى بهم حتى يتسنى له  القفز إلى الضحية ذات المناعة الضعيفة. 

اذا قوة الفيروس تكمن في أمرين 

اولا ضعفه أمام مقاومة الناس الأصحاء

وثانيا نسبة العدوى لديه اي ان شخص قد يعدي احيانا ٣ أشخاص أو حتى أكثر وهذا ما يتفوق به أيضا على فيروس الانفلونزا وقد استطاعت ألمانيا بتخفيض هذه النسبة إلى 0.7 بأجراءات بسيطة اي ان كل عشرة أشخاص تستطيع نقل العدوى إلى ٧ أشخاص فقط..


اذا الفيروس ضعيف ويمكن السيطرة عليه ولكن تسلله المفاجئ وانتشاره بشكل كبير قبل أن نشعر به و دخوله دور المسنين في أوربا و التى يتوسط  أعمار المسنين فيها 85 سنة وأغلبهم يعاني من امراض مزمنة هو السبب في عدد الوفاه  الكبير في القارة العجوز و التى متوسط عمر الإنسان فيها اكثر  من بلدان العالم الثالث نتيجه توفر  البنية الصحيه و المستوى الطبي المتقدم .


لنعلم نسبة الوفاه الحقيقية للمرض يجب أن نعلم عدد كل المصابين بهذا البلد. مثلا في أمريكا نسبة الوفيات أعلى لأن عدد الإصابات المكتشفة محدودة فلو علمنا انه حسب التوقعات لبعض الدراسات ان أكثر من عشر ملايين مصاب في أمريكا حاليا لم يتم الكشف عنهم وادراجهم في الحسابات فهذا يعني أن نسبة الوفاة ٢٠ الف من عشر ملايين مصاب اي نسبة الوفاه هي ٢ لكل الف شخص وبذلك تكون النسبة قليلة بالنسبة الأوبئة الاخرى 


اذا  طالما الحقيقة تثبت ضعف الفيروس بالنسبة للفيروسات الاخرى التي سببت اوبئه في العالم ما تفسير هذه الإجراءات الدوليه القاسية.

بكل بساطة السبب هو أن الإنسان عدو مايجهل. كان لا بد للدول والحكومات من اتخاذ هذه الإجراءات لعدة أسباب.


اولا ... غياب الشفافية في مصدر العدوى وهو الصين وغياب مصداقيتها جعل دول العالم تتكهن ولا تثق بالاخبار القادمة من الصين فقد يكون الفيروس قاتل مثل فيروس ايبولا مثلا والصين تتكتم عن ذلك فكان لزاما على الدول ان تاخذ حذرها. 


ثانيا لابد لمراكز الأبحاث أن تتعرف على الفيروس بنفسها وهو ما فعلته مثلا ألمانيا في اول شهر من هذا العام حيث قامت فورا بتحديد الفيروس وتجهيز الكيتات وأجهزة PCR لفحص الفيروس بشكل مبكر.


ثالثا... في حالة اي وباء لا يوجد له لقاح او علاج فإن الحل الافضل هو الوقاية اي العزل وهو ارخص واقل تكلفة بشرية من اي علاج  آخر.


رابعا..ما حدث في اسبانيا مثلا هو ان الفيروس ظهر فجأة وأصاب الآلاف و تسلل إلى دور المسنين و المشافي وأصحاب المناعة الضعيفة والمرضى بشكل كبير و وقت قصير ما أدى إلى عدد وفيات سريع و متصاعد لم تتمكن البنية الصحيه من تحمله وليس السبب قوة الفيروس.

التجمعات الضخمة للناس في تلك الفترة أدت إلى عدوى عدد ضخم لا يعلمه إلا الله و الحقيقة التي يمكن تأكيدها يوما ما ان عدد الإصابات كانت بالملايين ولكن الاغلب لم تظهر عليهم العدوى و نقلوا المرض إلى الضعفاء دون أن يكتشوا  ذلك في الوقت الصحيح وبدون يقوموا بإجراءات العزل.

ماذا لو حدث العزل بشكل مبكر  كان السيناريو اختلف تماما 

كان عدد الإصابات اقل والعدوى اقل وبالتالي عدد الوفيات اقل بشكل تستطيع المشافي استيعابه ريثما يتم الوصول للذروة التى يتبعها انخفاض عدد الإصابات والوفيات.

اي بشكل آخر فإن دخول  ٥٠ شخص يوميا الى المشفى وعلى مدة ٦ أشهر لا يشكل عبئا  على القطاع الصحي ولكن دخول ١٠٠٠ شخص يوميا على مدة شهر قد تسبب انهيار البنية الصحيه وهو ما حدث للاسف.

المختصر هو انا العالم قد علم عن فيروس الانفلونزا وأسلوبه وطريقة التعامل معه وحتى ان  القطاعات الصحيه في الدول المتقدمة تاخذ بعين الاعتبار الجوائح الموسمية للانفلونزا و لكن أغلب الدول المتقدمة  للاسف لم تأخذ سابقا بعين الاعتبار جائحة تنافس مرضى الانفلونزا على أسرتهم في المشافي.

ولكن الأمر يبلغ ذروته ان شاء الله خلال فترة محددة و سوف يستطيع العالم التعايش معه تماما كما تعايش مع الانفلونزا

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.